وضع رأسه بين يديه وكأن رقبته لم تعد قادرة على حمل رأسه، رأسه المثقل بالهموم، رأسه الذى تسكنه صورة الدم الممزوج بعجلات قطار إسكندرية، رأسه الذى يتذكر مستشاره شهيد الإحساس «مصطفى السيد» الذى لم يستطع هو الآخر تحمل ما رآه من مشاهد مؤسفة، خرجت من عينيه دمعة، انطلقت بدافع تدافع الزكريات، انطلقت بدافع تزاحم الهموم، هو وزير نعم، لكنه إنسان أيضا، هو مسؤول نعم، لكنه مكلوم أيضا، هو يخضع لمحاكمة البرلمان نعم، لكنه دمعة عينيه حاكمتنا جميعا، حاكمت من يهاجمون دون رحمة، ومن يتشفون دون آدمية، ومن يفسدون فى الأرض دون رادع.
بكى وزير النقل أمس أثناء محاكته بالبرلمان، ولم يكن البكاء بمستغرب، لكنى أوقن من أنه فاجأ جميع من كشر عن أنيابه واستعد لذبح المهندس هشام عرفات، نعرف جميعا أن مرفق السكة الحديد متهالك، نعرف جميعا أن المنظومة تعرضت للخراب، لكننا نتعامى عن أسباب الكوارث الحقيقية، ونبحث سريعا عن كبش فداء لنحمله المسؤولية، لا فرق عندنا بين وزير أو محافظ، لا فرق بين مدير أو وكيل وزارة، كلما ظهرت نتيجة من نتائج الفساد سارعنا إلى تكفينها بكبش فداء، لا يهم حل الأزمة، لا تهم أرواح الناس، لا يهم مستقبل مصر، كل ما يهمنا هو تقديم كبش فداء لتهدأ الناس، أما الحل الحقيقى فلا مكان له وسط حلقات الردح والتشفى.
سيادة المهندس هشام عرفات، نعرف أنك تحملت مسؤولية قطاع النقل فى مصر وهو قطاع خرب بكل ما تعنيه الكلمة من معان، ونعرف أنك ضحية أيضا لإهمال سنوات عديدة مرت، لكنك مع هذا ومع تقديرينا لمشاعرك النبيلة تتحمل المسؤولية المباشرة عن سلامة مرافق الدولة التابعة لوزارتكم، ولهذا أدعوك إلى اتخاذ جميع الإجراءات المناسبة للقضاء نهائيا على هذه الأزمات، فلا نريد لأطفالنا أن يصبحوا فريسة لعجلات قطار أعمى، ولا نريد لمسؤولينا أن يصبحوا ضحايا لسكتة قلبية أو ذبحة صدرية، فكلنا أولاد مصر، وكلنا فى مراكب الهم سواسية، وكلنا مطالبون بالعمل والصبر حتى تخرج مصر من أزماتها، ولهذا أرجوا أن تتخذ كل ما فى وسعك من أجل ضمان سلامة مرفق السكة الحديد، حتى لو تم إدخال مشاريع استثمارية خاصة فى هذا المرفق، فمن العبث أن يكون هذا المرفق من موارد الدخل لكل بلاد العالم وفى مصر من موارد الألم والموت والدموع التى لا تنتهى.