أخر الاخبار

مصر وسوريا.. هل تفعلها السعودية؟

  • 11 يوليو 2017
  • 0 تعليقات
  • 6:32 م
  • قسم المقالات

أسعدنى التحرُّك الشعبى المصرى المطالِب بعودة العلاقات الرسمية مع سوريا، واستعادَتِها لمقعدها بجامعة الدول العربية، الذى تَزَامَن مع علنية الدور الدبلوماسى المصرى ، الذى تجلَّى فى الوساطة وتوفير السبل لتوقيع اتفاقيتَى الهدنة الأخيرتين في«الغوطة الشرقية» و«ريف حمص».

 

إن سوريا تمثِّل حالة عشق نادرة «محفورة» فى قلوب المصريين، ومستمرَّة عبر التاريخ ولا يَخْفتُ توهُّجُها أبدًا بفعل السنوات والأزمات، بل يزيدها. عِشْق لم يقطَعْه انفصال ما بعد وحدةِ الخمسينات فى زمن جمال عبد الناصر، ولم تحرِّمْه القطيعة بين السادات وحافظ الأسد بعد «معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية»، ولم يختفِ بعد صعود الأسد الابن للحكم وتوتُّرِ العلاقة بينه وبينحسنى مبارك، رغم الصداقة المتينة بين مبارك ووالده، التى تُوِّجَت بأنجع تحالف سياسى عربى (مصري- سورى – سعودي) فى التسعينات من القرن الماضى ، الذى انتهى مطلع الألفية الجديدة بوفاة الأسد الأب .

 

ولا شكَّ أن العلاقات المصرية – السورية تبلوَرَتْ بشكل متكامل بفضل الوحدة فى 22 فبراير 1958، عندما أصبحَت الدولتان « جمهوريةً عربيةً متحدة »، واستشعَرَ الشعبان حلاوةَ مذاقِ «الوحدة العربية» للمرة الأولى والأخيرة، وأدركَتْ المؤسسة العسكرية المصرية أهميةَ سوريا بالنسبة للأمن القومى المصري، فكان الجيشُ الأوَّلُ هو الجيش السوري، والجيشانِ الثانى والثالث هما عماد القوات المسلحة المصرية، وأصبح هذا الأمر جزءًا من العقيدة العسكرية المصرية، ولم يتغيَّر رغم مرورِ أكثر من نصف قرن على الانفصال.

 

وتتوالى المؤشرات الإيجابية فى ملفِّ الأزمة السورية، ومنها ما ذَكَرَتْه المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة قبل أيام لوكالة «رويترز» من أن «أكثر من 600 ألف سورى عادوا لمنازلهم فى الأشهر السبعة الأولى من هذا العام»، وأن «67 فى المائة من حالات العودة هذا العام كانت لمحافظة حلب، حيث استعادَتْ قوات الحكومة السيطرةَ على الشطر الشرقى الذى كان تحتَ سيطرةِ جماعات مسلحة».

ويواصل السوريون حماسَهُم لاستئناف حياتهم، ويفتتحون مطلعَ هذا الشهر (أغسطس 2017) معرض دمشق الدولى للكتاب، الذى عاد إلى صيغته الدولية هذا العام بمشاركة 150 دارَ نشرٍ من بينها 40 دارًا عربية من لبنان والعراق ومصر والسعودية وفلسطين والأردن، إضافة إلى إيران والدنمارك وروسيا، ويتضاعف الإقبال على المعرض هذا العام مقارنة بالعام الماضى بحسب مدير المعرض لوسائل الإعلام، رغم الكساد الذى يطارد سوق الكتب المطبوعة، واستمرار المصاعب الاقتصادية.

وكنت أتمنَّى أن يشكِّل التحالف العربى الذى تبلوَرَ مؤخرًا (بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، قوةَ دفعٍ مؤثرةً لإنهاء الأزمة السورية واستعادة الشقيقة العربية المختَطَفَة (من تركيا وإيران وروسيا وأمريكا) وإعادتها إلى أحضان الجامعة العربية، لكنى فوجِئْتُ بقسوة الردِّ السعودى على بشائر الأمل، فى مقال عبد الرحمن الراشد بصحيفة «الشرق الأوسط»يوم الخميس (9 أغسطس) عندما قال: «والذين يتحدثون اليوم بثقة وسرور عن حلٍّ سياسيّ، ونهاية للحرب السورية، ودَفْنِ الماضي؛ واهمون إن كانوا فعلًا يصدقون أن ملايين من السوريين يستطيعون العودة إلى منازلهم وينسون، وكأنّ جرائم السنوات الست الماضية، ونصف المليون قتيل، مجرد مسلسل تلفزيونى يمكنهم أن يناموا بعده».

والإعلامى السعودى المخضرم ناقَضَ ما بدأ به المقال ذاته، الذى عنونه بـ«كارلا:  فى سوريا كُلُّهم أشرار!»، حيث استعرض الراشد قصة السيدة كارلا بونتى عضو لجنة الأمم المتحدة للتحقيق فى جرائم الحرب بسوريا، التى استقالَتْ من اللجنة الدولية لاستشعارِها الفشلَ والإحباطَ، وفَسَّرَت ذلك بأن «الساحة السورية خَلَتْ من الأخيار، ولم يعد يتقاتل فيها سوى الأشرار، وأنهم جميعًا مجرمو حرب. وهذا جزئيًّا صحيح، خصوصاً فى المرحلة الأخيرة».

فإذا كان الراشد (هذا جزئيًّا صحيح) يتفق مع ما ذكرته كارلا (كلهم أشرار)، وأن العالم (ممثلًا فى الأمم المتحدة) لم يقدر على محاكمة الجميع وإعدامِهِمْ على جرائم السنوات الست الماضية، لأن هذا جنون بالطبع، ويمهِّد الطريق لإبادة الشعب السورى كله، وهو ما لا أظنُّ أنه ما يتمناه الراشد أو أى سعودى أو أى عربي، فلهذا لا أرى أن هناك مبررًا منطقيًّا لأن تقِفَ السعودية فى طريق الحل.. أى حل.. المهم أن يوقف نَزْف الدماء السورية فورًا.

ظنى أن المملكة التى جَدَّدَتْ شبابها بوصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد، أصبحت فى حاجة إلى تجديد فكرها خصوصًا مع اقترابه من العرش السعودي، وهو ربما ما تكون قد بدأته بالفعل ( على سبيل المثال ) فى الملفِّ العراقى بلقاء بن سلمان مع الزعيم الشيعى مقتدى الصدر مؤخرًا فى جدة، وتردُّد أنباء عن زيارات لمسئولين عراقيين إلى السعودية خلال الأيام المقبلة؛ فهل تفعلها السعودية أيضًا فى الملف السورى وتقفز على ثأرها الشخصي، ونستيقظ ذات صباح قريب على خبر لقاء «سعودى – سوري» بالقاهرة  .

Sharing is caring!