إن المشروع الأمريكى للعراق والمنطقة العربية معد سلفا، وله أصول تاريخية، وإن الأهداف التى تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقها فى المنطقة، تختلف تماما عما أعلنته لتبرير احتلالها للعراق، حسب تأكيدات الباحث نبيل إبراهيم فى دراسته الخطيرة عن العراق وأمريكا وإسرائيل.
إن حقيقة وأبعاد المشروع الأمريكى تبطل دعاوى الولايات المتحدة الأمريكية بنشر الديمقراطية، والدفاع عن حقوق الإنسان، وحماية الحريات، ومكافحة الإرهاب، وتدمير أسلحة الدمار الشامل.
إن أمريكا لم تأت لتحرير العراق من نظام صدام حسين كما زعمت، ولا للقضاء على الإرهاب، ولا لتدمير أسلحة الدمار الشامل، ولم تأت لنشر الديمقراطية، ولا لإشاعة الحريات الشخصية، وإنما جاءت لتنفيذ أهدافها التوسعية، وتحقيق غاياتها الاستباحية الجديدة، فبعد الاحتلال مباشرة، باشرت أفواج الجيش الأمريكى حملاتها الواسعة للبحث عن تلك الأسلحة الفتاكة المزعومة، فنبشت أرض العراق من شماله إلى جنوب،ه ومن شرقه إلى غربه بمرافقة ديفيد كاى، المسؤول السابق فى فرق التفتيش الدولية، واستمرت فى هذه المهمة المكثفة حتى الثانى من أكتوبر من عام 2003، لتعلن فى تقريرها الرسمى عن بطلان الأكاذيب التى كانت تطلقها الإدارة الأمريكية. وخلص تقرير ديفيد كاى إلى النتائج التالية: من المؤكد أن صدام حسين لم يكن يمتلك عند اندلاع الحرب آلاف الأطنان من الغازات السامة والرؤوس الحربية لإطلاقها، أو مئات الكيلوجرامات من عوامل الحرب البيولوجية القاتلة، أو المنظومة الصناعية والمواد الانشطارية اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية، التى قالت أجهزة استخبارات البلدان الغربية الكبرى إنه يمتلكها.
إن الاحتلال الأمريكى للعراق كان الوسيلة الاستباحية السافرة لتحقيق أهداف أمريكا فى الشرق الأوسط، والتى تمثلت فى السيطرة على منابع النفط للتحكم بالاقتصاد العالمى، والاستحواذ عليه، وضمان استقرارها، واستمرار تفوقها، ونمو شركاتها، وفرض هيمنتها، وضمان مصالحها الاقتصادية المستقبلية، وهى على الرغم من تجبرها كانت تخشى منافسة الأقطاب الدولية الجديدة، مثل أوروبا واليابان وروسيا والصين، لهذا فإن العراق باحتياطاته النفطية الهائلة، وثرواته المتعددة، وموقعه الاستراتيجى هو الضمان الدائم لاستمرار تفوقها وزعامتها الدولية، أما هدفها الاستراتيجى الآخر فهو حماية إسرائيل، وضمان أمنها وتفوقها، وهو التزام «مقدس» لكل الإدارات الأمريكية، إلا أن هذا الالتزام مستمد فى جوهره من تبادل المصالح لكلا الطرفين، فدويلة الكيان الصهيونى تمثل حاملة الطائرات الجاثمة بجوار منابع النفط والطاقة، وتمثل الترسانة العسكرية الأمريكية فى قلب الشرق الأوسط، وهي بذلك تستنزف طاقات وموارد الدول العربية والإسلامية، وتهدد استقرار المنطقة، وتسعى لتمزيقها لضمان هيمنتها المستمرة، من هنا جاء التحالف المصيرى بين الكيان الصهيونى وأمريكا ليضع حدا للتهديدات العراقية المتكررة، فقد كان العراق البلد العربى الأكثر امتلاكا لمقومات القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ولا مناص من تصفيته والقضاء عليه، فورطته بغزو الكويت، ثم دمرته بالحصار الاقتصادى، ومن ثم سعت لإزالته كليا.
لقد نسفت معطيات الواقع المخضبة بالدماء على ساحة الصراع فى العراق مختلف الذرائع التضليلية التى لجأت إليها إدارة عولمة الإرهاب الأمريكية لتبرير حربها الاستراتيجية على العراق. فقد ادعت فى حينه أن الدافع المركزى الأساسى لشن الحرب على العراق هو تخليص منطقتى الخليج والشرق الأوسط والعالم من مخاطر الترسانة النووية، ومختلف أسلحة الدمار الشامل التى يهدد بها النظام العراقى الحاكم الأمن والاستقرار فى المنطقة وعالميا، وفتشوا العراق شبرا شبرا، واتضح ما كان معلوما حول حقيقة أكاذيب إدارة بوش، وخلو ونظافة الأرض العراقية من أى نوع من أسلحة الدمار الشامل.. أكاذيب تضليلية قادت ليس فقط إلى قتل مئات وجرح آلاف الجنود الأمريكيين على ساحة الصراع فى العراق، بل كذلك إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
نستطيع أن نلخص فى النقاط التالية بعضا من نتائج الغزو الأمريكى للعراق:
1 – تحكم قطب واحد فى مصائر الشعوب والدول، وهذا القطب بعيد كل البعد عن النزاهة والعدالة، وأن يكون العراق عبرة لغيره من الدول التى تتمرد على أمريكا.
2 – سابقة تغيير النظام الذى لايخدم الأهداف الأمريكية.
3 – إنهاء دور الأمم المتحدة على غرار عصبة الأمم فى الحرب العالمية الثانية.
4 – محاولة تحكم أمريكا بمصادر الطاقة العالمية.
5 – بالنسبة للقضية الفلسطينية، كان الضعط كاملا علي القوى الفلسطينية فى المنطقة للقبول بكل الإملاءات الصهيونية الأمريكية.
6 – وضع حكومات فى الدول العربية تأتمر بالكامل بأوامر أمريكا، وقد ظهر هذا جليا فى الحرب الأخيرة على غزة.
7 -هيمنة الثقافة الأمريكية الضالة المضللة على العالم عامة، وعلى العالم العربى خاصة، وهيمنة الثقافة الأمريكية تجعل منا عربا نرتدى الثوب الأمريكى.. فهل حققت أمريكا اهدافها، وهل نجحت فى مشروعها باحتلالها العراق، وتغيير نظام الحكم فيه؟ هذا ما سنبحثه فى الأجزاء المقبلة إن شاء الله.