الدستور هو أبو القوانين الذى يوصف نظام الحكم ويحدد العلاقة بين الحاكم والشعب، ويبين حدود السلطات الثلاث وكيفية الفصل بينها، كما أنه يؤكد على حقوق المواطنين والواجبات الواجب أداؤها، الدستور هو وثيقة تضعها لجنة تمثل الشعب الذى يجب أن يوافق على هذه الوثيقة حتى تدخل فى إطار التطبيق والتفعيل على أرض الواقع.
عرفت مصر الدساتير فى أشكالها المختلفة منذ القرن التاسع عشر حتى دستور 1923 الذى كان شكلاً متطوراً فى الحياة الدستورية، وبعد 23 يوليو كانت هناك بيانات ووثائق دستورية حتى دستور 1956 ودستور ما بعد الوحدة 1958. حتى دستور 1971 الذى أسقط بعد 25 يناير.
ولا شك فى أن الدساتير ترتبط بمعارك وظروف ومتغيرات سياسية تحتم وضع دستور حتى يتم تحديد هوية النظام وتجسيد الحقوق التى حصل عليها الشعب نتيجة لهذا التغيير، ولذلك كان دستور 2014 بعد اختطاف الإخوان لهبة 25 يناير واستيلائهم على الحكم ووضع دستورهم عام 2012، فكان دستور 2014 تأكيدا لعودة الشرعية الدستورية التى تمثلت فى انتخاب رئيس للجمهورية وانتخاب برلمان للشعب ووضع دستور، كما أن دستور 2014 كان تجسيدا لإنقاذ الوطن والمحافظة على هويته وتأكيدا لحقوق الشعب وترجمة لآمال وتطلعات الجماهير نحو حياة ديمقراطية سليمة يمارس من خلالها الشعب حقه فى الحكم فى إطار الفصل بين السلطات والحفاظ على حقوق المواطنة.
ولما كانت هبة 25 يناير نتيجة لاستبداد سياسى كان أحد مظاهره البقاء فى السلطة لأكثر من ثلاثة عقود والتمهيد للتوريث إضافة إلى تزوير انتخابات سيد قراره برلمان 2010، ولذا كان دستور 2014 محددا لمنهج جديد فى الحكم إسقاطا لما كان قبل يناير، فكان تحديد مدة الرئاسة لأربع سنوات وتكرر لمرة واحدة وإلغاء سيد قراره وإعطاء حق الفصل وعضوية البرلمان لمحكمة النقض، فهذا وغيره هو التجسيد الفعلى لطموحات وآمال هبتى 25 و30.
نعم وضع دستور 2014 فى مناخ وظروف سياسية غير طبيعية لما كان ومازال من عمليات إرهابية تستهدف الوطن قبل النظام، مما جعل بعض نواب البرلمان يناوشون ويطالبون بإجراء تعديلات دستورية بحجة أن الدستور قد وضع فى ظروف غير مستقرة، مع العلم بأن هذه الظروف لاتزال قائمة وتفرض علينا معركة وجود فى مواجهة الإرهاب، كما أن هذه الظروف هى التى تم فيها انتخاب رئيس الجمهورية وانتخاب البرلمان. والاعتماد على قول الرئيس بأن الدساتير لا توضع بالنيات الحسنة فهذا لا يعنى موافقة الرئيس على تعديل الدستور، مع العلم بأن التخفى وراء تعديل مادة مدة الرئاسة وجعلها 6 سنوات بدلاً من أربعة فهى ليست فى صالح الرئيس خاصة ونحن فى عام انتخابات الرئاسة، كما أن الرئيس قد أعلن بوضوح فى مؤتمر الشباب الأخير بالإسكندرية بأن الرئيس لا يستطيع البقاء يوما واحدا بعد انتهاء مدته الدستورية.
نعم الدستور ليس قرآنا لا يقترب منه أحد، كما أن الدستور قد حدد كيفية وآليات تعديله، ولكن هل الظروف الحالية وما يحيط الوطن من تحديات داخلية ممثلة فى المشكلة الاقتصادية المتراكمة والمتوارثة التى جعلت النظام يأخذ قرارات جعلت الجميع يتجرع دواءها المر نتيجة لرفع الأسعار وخفض الدعم وتخفيض قيمة العملة المحلية، فى الوقت الذى يدفع فيه الوطن من أبنائه من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين الثمن فى مواجهة الإرهاب الأسود، ناهيك عن محاولات الاختراق الدائمة والمتواصلة لتفكيك الجبهة الداخلية خاصةً تحالف 30 يونيو الذى أسقط الإخوان والذى لم يعد الآن كما كان بذات الزخم لظروف كثيرة، إضافة للتحديات الخارجية التى لا تريد لمصر أن تعود إلى دورها الإقليمى والعالمى، والمشكلة القطرية مع الدول الأربع وموقف أمريكا وأوروبا المتميع، وتدخل تركيا وإيران يؤكد هذه التحديات، فهل هذه الظروف وغيرها مواتية لطرح فكرة تعديل الدستور ؟ وهل هذا التعديل سيكون عامل توحد وطنى وتوافق مصرى يكون حائط صد فى مواجهة هذه التحديات؟ أم أن هذا التعديل سيتم استغلاله أسوأ استغلال من أعداء الداخل المتخفين فى مؤسسات الدولة وأعداء الخارج المنتظرين لأى فرصة اختراق واستغلال؟ وإذا كان الدستور قد وضع فى ظروف غير مستقرة تتطلب التعديل فماذا عن البرلمان الذى جاء فى نفس الظروف؟ أما التعديل الخاص بصلاحيات محكمة النقض فى الحكم فى صحة عضوية البرلمان فهذا مكسب تم فى مواجهة سيد قراره الذى كان يجعل البرلمان خصما وحكما فى ذات الوقت فيجب الحفاظ عليه. تعديل الدستور وارد ولكن ليس فى هذه الظروف ولا هذا العام بالتحديد ولا بهذه السرعة فى التوقيت، فالأهم هو التفعيل الحقيقى والتطبيق الفعلى لمواد الدستور على أرض الواقع حتى نكتشف المطلوب تعديله من المواد.
يجب الآن أن نوجد الأرضية المشتركة لإعادة وتأكيد تحالف 30 يونيو ذلك التحالف الذى فعل المستحيل وأوقف المخططات الهادفة لإعادة تقسيم المنطقة على أسس طائفية بدلاً من السير فى طريق يفرق ولا يوحد.
فلنستعد لانتخابات الرئاسة حتى تكون عرسا ديموقراطيا حقيقيا فى طريق تحقيق الديمقراطية. نعمل وسط الجماهير حتى تكون انتخابات الرئاسة تمثيلا حقيقيا لاختيار الشعب للسيسي حتى يكمل المشوار. الموالاة والتأييد ليس بتعديل الدستور ولا بالشعارات النظرية ولا بالمكايدات السياسية ولكن بالعمل والجهد والإخلاص والانتماء والإنتاج والتوحد وفتح باب المشاركة للشعب حتى يشارك فى اتخاذ القرار وحتى تكون مصر بالفعل وبالحق لكل المصريين.